المبحث الرّابع:«ولا تبغ الفساد في الأرض»،الدّرس الثّالث:«دور التّشريع في
رعاية الكون»
مع استثمار النّشاط الإدماجي .
الإشكاليّة:ماهي البيئة؟ و ماهي مظاهر اهتمام الشّريعة الإسلاميّة
بالمحافطة عليها؟.
الموضوع:العناية بالبيئة والمحافظة عليها مقصد من مقاصد التّشريع الإسلامي.
العناصر:
1-مفهوم البيئة ومكوّناتها.
2- مظاهر اهتمام الشّريعة الإسلاميّة بالمحافطة على البيئة.
التّحليل:
1-مفهوم البيئة ومكوّناتها.
-البيئة هي مجموعة من العناصر الحيّة والعناصر غير الحيّة المكوّنة للطبيعة
والّتي تربطها علاقة تفاعلات متعددة ومتنوّعة إلى جانب مظاهر العمران المضافة من
قبل الإنسان والتّي هي بدورها تركيبات وتفاعلات من عناصر الطّبيعة.
-عناصر الكون الأربعة التي تقوم عليها الحياة هي الماء والهواء النّار
والتّراب، هذه العناصر وإن كانت عناصر غير حيّة إلاّ أنّها العناصر الّتي تقوم
عليها الحياة في هذا الكون.
-سخّر الله تعالى الكون بأسره لفائدة الإنسان واستخلفه في الأرض ورزقه من
خيراتها ما لا يُعدّ و يُحصى، قال الله تعالى:
﴿ وَالْأَنْعَامَ
خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ
فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ
أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ
إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ
لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8) وَعَلَى اللَّهِ
قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9)
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ
شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ
وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً
لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ
وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ
لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ
مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13)
وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا
وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ
فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) وَأَلْقَى فِي
الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ
تَهْتَدُونَ (15) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) أَفَمَنْ
يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17) وَإِنْ تَعُدُّوا
نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18)﴾.سورة
النّحل.
﴿ وَآَيَةٌ لَهُمُ
الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ
(33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا
مِنَ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ
أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35)﴾سورة يس.
﴿وَهُوَ الَّذِي
أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ
مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ
مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ
حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141)﴾ سورة الأنعام.
﴿ فَلْيَنْظُرِ
الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ
شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا
وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً
وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32)﴾ سورة عبس.
Üنستنتج أنّ كلّ ما منحنا إيّاه الله تعالى من طعام وشراب ودواب وشجر وحجر
وماء وهواء وتراب ونار...هو من عناصر البيئة فكلّ ما يحيط بنا وكلّ ما نستعمله هو
من البيئة .
Üالبيئة هي الطّبيعة الخام (البيئة التّي فطرها الله تعالى على صورتها) والطّبيعة
الّتي تدخل فيها الإنسان(البيئة المشيّدة).
2- مظاهر اهتمام الشّريعة الإسلاميّة بالمحافطة
على البيئة:
-قال صلّى الله عليه وسلّم:«من أحيا أرضا ميتة فهي له»البخاري،الصّحيح،
نفهم من هذا الحديث تشجيع الإسلام على الزّراعة والغراسة . فالأشجار والنّباتات هي
أوّل العناصر في الهرم الغذائي فعليها تقوم حياة الحيوان وعليهما معا تقوم حياة
الإنسان ولذلك كانت مكافأة الإسلام للإنسان الّذي يزرع أرضا ميتة بمنحها له.
و قال صلّى الله عليه وسلّم:«من نصب شجرة فصبر على حفظها والقيام عليها
حتّى تثمر كان له في كلّ شيء يصاب من ثمرتها صدقة عند الله عزّ وجلّ».رواه أحمد في
مسنده.
وقال أيضا :« ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو
بهيمة إلاّ كان له به صدقة». رواه البخاري في الصّحيح، كتاب الحرث والمزارعة...
Üجعل الإسلام للإنسان الّذي يزرع شجرة أو نبتة ثواب الصّدقة عن كلّ إنسان أو
حيوان يأكل منها أو من ثمرها وفي ذلك تشجيع على الغراسة والزّراعة وعمارة الأرض
وازدهارها وإحيائها.
قال صلّى الله عليه وسلّم:«إذا قامت السّاعة وفي يد
أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتّى يغرسها فليغرسها» رواه أحمد في مسنده. وفي
هذا الحديث دليل على قداسة عمل الزّراعة.
Üالغطاء النّباتي الّذي يغطي الأرض هو نعم من عند الله تعالى يجب علينا حفظه
وتدعيمه لأنّه أساس الحياة ونحفظه بشكر الله تعالى وبالعمل على نمائه وازدهاره
ولنا في ذلك ثواب الدّنيا (الحياة الطّيبة) والآخرة(الأجر والثواب).
-لا يجب أن نفسد في الأرض بتلويث البيئة واستنزاف
خيراتها والإسراف في استغلالها كي لا نقضي عليها وعلى أنفسنا.
قال الله تعالى:﴿...
وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ
كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85)﴾. سورة الأعراف.
﴿ظَهَرَ
الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ
لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)﴾.سورة
الرّوم.
استنتاج في علاقة بالدّروس السّابقة:
Üفي الغراسة والزّراعة حفظ للكليّات الخمس: حفظ الدّين(حسن خلافة الله تعالى)،
حفظ النّفس(الحفاظ على حياة الإنسان)، حفظ النّسل(استمراريّة وجود الإنسان بتوفر
أسباب الحياة)، حفظ العقل(الغراسة والزّراعة تنّم عن عقل سليم ومفكّر)،حفظ المال (
بالغراسة والزّراعة نكسب قوتنا ونوفّر صرف الأموال الّتي كنا سنبذلها من أجل توفير
حاجياتنا وننمّي أموالنا إذا تاجرنا بمحاصيلنا).