Wednesday, July 8, 2015

الإيمان حسن المعاملة

الإيمان حسن المعاملة
قال الله عز وجل في سورة فصلت:  ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ * وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ  ) فصلت 30-35-
في هذه الآيات يأمر الله عز وجل عباده بالتخلق والاتصاف بصفات كريمة  لعل أولها توحيد الله سبحانه والاستقامة على دين الله رب العالمين، والله هو الذي خلق العبد، فلا يكون للعبد أن يعبد إلهاً غيره سبحانه وتعالى، كيف يكون ربه هو الذي خلق والذي رزق والذي أعطى ، ثم بعد ذلك يعرض عنه ويعبد غيره؟! هذا لا يليق في المنطق العقلي
قال الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ) فصلت:30 - أي: عرفوا أن الرب هو الخالق وهو الإله المعبود وحده الذي يستحق أن يعبد ليس غيره، وكان المشركون يعرفون أن الرب هو الخالق؛ ولذلك إذا سئلوا: من الذي خلق؟ يقولون: الله الذي خلق، وإذا سئلوا: من تعبدون؟ يقولون: نعبد غيره سبحانه وتعالى، لم لا تعبدون الله؟ قالوا: ما نعبد هؤلاء إلا ليقربونا إلى الله زلفى، فيزعمون أنهم لا يتوجهون مباشرة إلى الله؛ لأنهم ليسوا أهلاً لذلك، وحقيقة الأمر أنهم لا يعبدون الإله الواحد الذي خلقهم سبحانه؛ لكونهم يعرفون أنهم إذا عبدوا إلهاً واحداً وهو الله سبحانه سيتوجهون عن طريق النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربهم سبحانه.
قال الله تعالى : ( نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ) فصلت:31-  أي: لكم في الآخرة ما تشتهي أنفسكم في الجنة، فيها مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
من فضل الله سبحانه وكرم الله سبحانه أنه يعد لهم نزلهم، قال تعالى:  ( نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ  ) فصلت:32 -  يعد لهم ضيافتهم، فيصيرون إلى الجنة جنة الخلود.
ثم يذكر الله لنا صفات هؤلاء الذين وحدوا الله سبحانه وعبدوه واستقاموا على دينه سبحانه، قال تعالى:  ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ  ) فصلت:33-  قول بعد اعتقاد في القلب اعتقاد توحيد الله سبحانه وتعالى، وفي اللسان: قول لا إله إلا الله والتوكل على الله سبحانه وتعالى، والإحسان إلى الخلق، فأحسنوا باعتقادهم وأحسنوا في معاملتهم فاستحقوا من الله عز وجل الإحسان.
قال تعالى:  ( وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ  ) فصلت:33-  سمانا الله عز وجل هذه التسمية الجميلة: مسلم، فلا نبتغي بديلاً عن هذه التسمية العظيمة، نحن من المسلمين، ملة أبينا إبراهيم، والله سبحانه وتعالى سمانا المسلمين من قبل، فأجمل ما تتسمى به قولك: أنا مسلم، أي: مستسلم لله سبحانه وتعالى، مسلم نفسي وقلبي وبدني، وموجه وجهي إليه سبحانه وتعالى، هو يأمرني وأنا أطيعه، هو ينهاني وأنا أفعل ما يقوله سبحانه وتعالى، فأجتنب ما حرم وأفعل ما أمرني أن أفعله.
قال الله تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) فصلت:34-  أعظم الحسنات التوحيد، وأقبح السيئات الشرك، ولا يستوي التوحيد مع الشرك بالله سبحانه وتعالى، ولا تستوي الطاعة مع المعصية، ولا يستوي الإيمان مع الكفر، ولا يستوي العمل السيئ مع العمل الصالح، ولا يستوي المؤمنون مع الكافرين.
قال الله تعالى: ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) فصلت:34  يأمرك الله سبحانه أن تدفع خصمك ومن يعاديك بالحسنى، فأحسن إلى الخلق كي تستجلب مودتهم، فالإنسان يستعبده الإحسان إليه، قد يسيء إليك فتحسن إليه فتقل إساءته، ثم تحسن إليه فيستحي منك، فالإحسان إلى الخلق يستعبد الخلق، وهذا الذي يأمرنا الله سبحانه وتعالى.
قال الله تعالى: ( فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) فصلت:34 إن صفة الدفع بالتي هي أحسن أن تتعامل مع خصمك الذي يسيء إليك بالإحسان لا المكافأة، وإلا فمن أين يكون الفضل لما يكون الأمر على ذلك؟! ولكن عامل الناس بخلق حسن كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( أتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن)  وهذا من أجمل ومن أعظم الأخلاق أنك تكون كريماً حليماً في أخلاقك، إذا أساء إليك إنسان لا تدفع السيئة بالسيئة ولكن ادفع السيئة بالحسنة، وعود نفسك العفو والصبر على الإساءة إليك.
قال الله تعالى:  ( وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا ) فصلت:35 أي: ما يلقى هذه الخصلة الطيبة إلا الإنسان الذي تعلم وتمرن على الصبر والحلم، وما يلقى هذه الخصلة العظيمة وهي العفو عن الإساءة إلا الإنسان الصابر.
قال الله تعالى:  (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ  ) فصلت:35-  أي: الذي تعلم أنه يعفو ويصفح ويدفع بالتي هي أحسن هو الإنسان الذي له حظ وقدر عظيم عند الله سبحانه، وأجر عظيم جميل عنده سبحانه.
الإيمان / الاستقامة
إن هذا الحديث على قلة ألفاظه ، يضع منهجا متكاملا للمؤمنين ، وتتضح معالم هذا المنهج ببيان قاعدته التي يرتكز عليها ، وهي الإيمان بالله :  ( قل آمنت بالله ) فهذا هو العنصر الذي يغير من سلوك الشخص وأهدافه وتطلعاته ، وبه يحيا القلب ويولد ولادة جديدة تهيئه لتقبل أحكام الله وتشريعاته ، ويقذف الله في روحه من أنوار هدايته ، فيعيش آمنا مطمئنا ، ناعما بالراحة والسعادة
يجدر بنا أن نعرف ما هي الإستقامة ؟
في الرياضيات الخط المستقيم هو الخط الذي لا ميل فيه
الإستقامة : هو سلوك الصراط المستقيم والدين القيم من غير تعريج أو ميلان عنه يمنة ويسرة ويشمل فعل الطاعات الظاهرة والباطنة وترك النواهي . وهو المطلب العظيم .
إن حقيقة الاستقامة ، أن يحافظ العبد على الفطرة التي فطره الله عليها والإمام النووي عقد باباً في كتابه رياض الصالحين عن الإستقامة وهذا من فقه الإمام النووي .عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام: : [ضرب الله مثلا صراطا مستقيما، وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داع يقول: يا أيها الناس، ادخلوا الصراط جميعا ولا تعوجوا، وداع يدعو من فوق الصراط، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئا من تلك الأبواب، قال: ويحك، لا تفتحه؛ فإنك إن تفتحه تلجه . فالصراط الإسلام، والسوران حدود الله، والأبواب المفتحة محارم الله، وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله، والداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم] فيما معنى الحديث .
” قل آمنت بالله ” امنع عنك كل ما ينافي العقيدة ” ثم استقم ” على طاعة الله
من فوائد الحديث :
1 ـ حرص الصحابة رضوان الله عليهم على أن يتعلموا ويسألون عن أمور دينهم وسؤال الصحابة ليس للعلم فقط بل للعمل وعن حذيفة رضي الله عنه يقول : كان الناس يسئلون الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني ” .
2 ـ الخوف والحذر الشديد من الانتكاس انظر لقول الصحابي للنبي صلى الله عليه وسلم في أول الحديث قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك , وفيه كذلك حرص النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه وخوفه عليهم من الانتكاس .
3 ـ سؤال الله دائماً الثبات على دينه وكان النبي دائما يقول ( اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ) . ولا يؤمن على حي فتنة فقد يكون على طاعة الله إلى قرابة موته فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها .
4 ـ الثبات على الإستقامة يعني بإذن الله خاتمة حسنة
5ـ تعطيك الإستقامة محبة الناس فإن دخل مجلس قام إليه الناس واستمعوا لحديثه إذا نصحهم وتقديرهم وثقتهم فيه .
قال الله تعالى :  (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ، نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون ، نزلا من غفور رحيم ) فصلت : 30-32  .
قوله تعالى : ( وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا  ) الجن 16
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27﴾  )  سورة إبراهيم الآية:24-27

الكلمة الطيبة عنوان كل انسان طيب القلب والأخلاق الكريمة والتربية السليمة وسأتكلم ، الكلمة الطيبة كحبة القمح المفردة، قد تُهمل وتذهب أدراج الحياة، وقد تكون مباركة فتنبت وتثمر، بل وقد تكون الثمرة خصبة تتضاعف وتتضاعف، وتنتشر هنا، أو تنتقل إلى هناك،وتشبيه الكلمة الطيبة بالشجرة، لأن الشجرة تثمر الثمر النافع، كالكلمة التي تؤدي إلى العمل الصالح، الكلمة الطيبة :دواء رباني لإمتصاص الغضب والحقد من قلوب الأخرين.،  الكلمة الطيبة هي شهادة أن لا إله إلا الله فإنها تثمر جميع الأعمال الصالحة الظاهرة والباطنةِ، فكل عمل صالح مرضي لله ثمرة هذه الكلمة،تثمر الكلمة الطيبة- بحسن نية قائلها - أو بحسنها ذاتها،
إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه . قيل يا رسول الله ، كيف يلعن الرجل والديه ؟ قال : يسب أبا الرجل ، فيسب أباه ، ويسب أمه ، فيسب أمه  .
تحذير من أن يكون الإنسان سبباً في شتم والديه بأن يأتي إلى شخص فيشتم والدي الشخص ، فيقابله الشخص الآخر بالمثل ويشتم والديه ، ولا يعني ذلك أنه يجوز للثاني أن يشتم والدي الرجل؛ لأنه لا تزر وازرة وزر أخرى ، ولكنه في العادة والطبيعة أن الإنسان يجازي غيره يمثل ما فعل به ، فإذا سبه سبه .
وذلك كما قال تعالى : (  وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْم   ) الأنعام: 108 - لذلك لما كان سبباً في سب والديه ؛ كان عليه إثم ذلك .



No comments:

Post a Comment

الدّرس الثّاني: الوحدة والتّنوع بين الرّسالات السّماوية. العناصر: 1-مظاهر الوحدة بين الرّسالات السّماوية. 2-مظاهر التّنوع بين الر...