Saturday, July 25, 2015

    الأمل و التفاؤل في قصة يوسف و يعقوب عليهما السلام                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                               ...أنت عندما تقرأ القرآن بتدبّر تجد أنّ القرآن كلّه خير وبركة تجد أنّه يفتح لك أبواب الأمل. يوسف عليه الصّلاة والسّلام اُنظر في قصّته، هذه قصّة كلّ من أصيب، حتّى السّلف كانوا يقولون يجب أن يُوصى كلّ من أصيب بمصيبة أن يقرأ سورة يوسف حتّى ينفتح باب الأمل. هذا الولد الّذي اُعتدي عليه وهو صغير طفل فيغيب في بئر مظلمة ويذهب إخوانه، ثمّ لمّا يأخُذه السيّارة يبيعونه على أنّه عبد رقيق، ثمّ يبقى في العبوديّة، ثمّ يضطهد من زوجة الّذي اشتراه وهو عزيز مصر، ثمّ يتهم بأنّه يريد فعل الفاحشة بها وأنّه يخطط لذلك {قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}(يوسف:25). يوسف اتّهم بتهمة كان بريئا منها وأودع في السّجن ظلما وعدوانا، لمّا دخل السّجن ما قال أنا كتب علي أن أكون مظلوما ومحروما ويجب عليّ أن أبقى كئيبًا، لا، صار يعمل في السّجن ويسلي السّجناء ويحسن إليهم ويتصدّق عليهم ويخفف عليهم وطأة السّجن {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} (يوسف:36) يعني يوسف مظلوم ومسجون ومتهم واسترقّ وبيع ظلما وعدونا وأخذ من أبويه وحُرم من الحياة معهم ومع هذا يقال له {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}، يوسف ما قال لهم ابتعدوا عنّي أنا مشغول بآلآمي وهمومي ومصائبي؟! لا، وإنّما بدأ يدعوهما إلى الله عزّوجلّ }قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (يوسف:37) {مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَ آبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} (يوسف:40)، يوسف بدأ يدعو هؤلاء القوم ويذكّرهم بالله عزّوجلّ لكنّه لم ينسى مصيبته وقضيّته والتّذكير بها {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ} (يوسف: 42) يعني قضيتي باقيّة، يعني يوسف مع أنّه يشعر أنّ هناك ظلم وأنّه يتمنّى أن يخرج ممّا هو فيه إلاّ أنّه لم يترك عمله بل قدم العمل الأساسي والإيجابيّة في الحياة على أصل القضيّة الّتي أودع من أجلها السّجن، يعلم أنّ هذا قدر من الله سبحانه وتعالى وأنه سينجو متى كتب الله تعالى له أن ينجو. خرج يوسف عليه الصّلاة والسّلام من السّجن وهذه أكبر عبرة لأولئك الذين يكتئبون في الحياة نقول لهم انظروا إلى يوسف عليه السّلام خرج من السّجن إلى عرش الملك، الملك يصطفيه ويقول له ماذا تريد؟ {إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ} (يوسف:54)، قال يوسف { اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} (يوسف:55)، ثمّ يبدأ مسلسل النّتائج ما يشعر إلاّ إخوته يأتون إليه ويدخلون عليه{وَجَاء إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} (يوسف:58) ...                                                                                                                           ثمّ يأتي مسلسل الفرج. تأتي قضيّة أخرى تشعرنا أنّ يعقوب عليه السّلام قد ربّى في يوسف هذا الأمل لمّا جاؤوا إليه وقالوا إنّ أخاه أيضاً قد أخذ معه وأن أخاه الأكبر قد بقي في مصر {ارْجِعُواْ إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ} (يوسف:81) {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} (يوسف:82)، قال يعقوب عليه السّلام {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} (83). يا الله! هذه الكلمة الجميلة الّتي قالها يعقوب عليه السّلام في هذا الموقف! {عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا} غاية الأمل وعدم اليأس من روح الله {عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} ،الآن إذا كنت تريد أن يأتي هذا الإبن الأصغر بنامين والأخ الأكبر فهذا معقول لأنّهما موجودان في مصر معروفة قضيتهم لأنّهم احتبسوا لأمر معين لكن أين يوسف؟! يوسف ذهب في الدّهر الأوّل منذ أربعين سنة فهو في عداد الموتى وليس في عداد المفقودين! ولكن يعقوب عليه السّلام يقول {عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِم جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}، ثمّ يقول بعد ذلك {يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ }(87)، دعاهم إلى العمل ثمّ يأتي بقاعدة قرآنيّة عجيبة وهي أنّ الإنسان لا يياس من فرج الله ولا من روحه  ...النّتائج في قصّة يوسف كثيرة لمّا دخلوا على أخيهم يوسف قالوا {فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} (88) هنا أراد يوسف عليه السّلام أن يكشف الحقيقة ويبيّن لهم {قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ} (89) {قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـذَا أَخِي قَد مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ }(90)، هذه قاعدة قرآنيّة {إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} إنه من يتقّ ويصبر فإنّ الله لا يضيع أجر المحسنين ...
المصدر: التفاؤل في القرآن الكريم:د. محمد بن عبد العزيز الخضيري الأستاذ المساعد في جامعة الملك سعود(موقع أهل التّفسير). بتصرّف.

No comments:

Post a Comment

الدّرس الثّاني: الوحدة والتّنوع بين الرّسالات السّماوية. العناصر: 1-مظاهر الوحدة بين الرّسالات السّماوية. 2-مظاهر التّنوع بين الر...